كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



أما الأول: فقد دل على أن الإله واحد، فلا يمكن حمله على الجمع، إلا إذا أريد أن هذه العطية مما سعى في تحصيلها الملائكة وجبريل وميكائيل والأنبياء المتقدمون، حين سأل إبراهيم إرسالك، فقال: {رَبَّنَا وابعث فِيهِمْ رَسُولًا مّنْهُمْ} [البقرة: 129] وقال موسى: رب اجعلني من أمة أحمد.
وهو المراد من قوله: {وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الغربى إِذْ قَضَيْنَا إلى مُوسَى الأمر} [القصص: 44] وبشر بك المسيح في قوله: {وَمُبَشّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِى مِن بَعْدِى اسمه أَحْمَدُ}
[الصف: 6] وأما الثاني: وهو أن يكون ذلك محمولًا على التعظيم، ففيه تنبيه على عظمة العطية لأن الواهب هو جبار السموات والأرض والموهوب منه، هو المشار إليه بكاف الخطاب في قوله تعالى: {إِنَّا أعطيناك} والهبة هي الشيء المسمى بالكوثر، وهو ما يفيد المبالغة في الكثرة، ولما أشعر اللفظ بعظم الواهب والموهوب منه والموهوب، فيالها من نعمة ما أعظمها، وما أجلها، وياله من تشريف ما أعلاه.
الفائدة الثالثة: أن الهدية وإن كانت قليلة لكنها بسبب كونها واصلة من المهدي العظيم تصير عظيمة، ولذلك فإن الملك العظيم اذا رمى تفاحة لبعض عبيده على سبيل الإكرام يعد ذلك إكرامًا عظيمًا، لا لأن لذة الهدية في نفسها، بل لأن صدورها من المهدي العظيم يوجب كونها عظيمة، فههنا الكوثر وإن كان في نفسه في غاية الكثرة، لكنه بسبب صدوره من ملك الخلائق يزداد عظمة وكمالًا.
الفائدة الرابعة: أنه لما قال: {أعطيناك} قرن به قرينة دالة على أنه لا يسترجعها، وذلك لأن من مذهب أبي حنيفة أنه يجوز للأجنبي أن يسترجع موهوبه، فإن أخذ عوضًا وإن قل لم يجز له ذلك الرجوع، لأن من وهب شيئًا يساوي ألف دينار إنسانًا، ثم طلب منه مشطًا يساوي فلسًا فأعطاه، سقط حق الرجوع فههنا لما قال: {إِنَّا أعطيناك الكوثر} طلب منه الصلاة والنحر وفائدته إسقاط حق الرجوع.
الفائدة الخامسة: أنه بنى الفعل على المبتدأ، وذلك يفيد التأكيد والدليل عليه أنك لما ذكرت الاسم المحدث عنه عرف العقل أنه يخبر عنه بأمر فيصبر مشتاقًا إلى معرفة أنه بماذا يخبر عنه، فإذا ذكر ذلك الخبر قبله قبول العاشق لمعشوقه، فيكون ذلك أبلغ في التحقيق ونفى الشبهة ومن هاهنا تعرف الفخامة في قوله: {فَإِنَّهَا لاَ تعمى الأبصار} [الحج: 46] فإنه أكثر فخامة مما لو قال: فإن الأبصار لا تعمى، ومما يحقق قولنا قول الملك العظيم لمن يعده ويضمن له: أنا أعطيك، أنا أكفيك، أنا أقوم بأمرك.
وذلك إذا كان الموعود به أمرا عظيمًا.
فلما تقع المسامحة به فعظمه يورث الشك في الوفاء به، فإذا أسند إلى المتكفل العظيم، فحينئذ يزول ذلك الشك، وهذه الآية من هذا الباب لأن الكوثر شيء عظيم، قلما تقع المسامحة به.
فلما قدم المبتدأ، وهو قوله: {إنا} صار ذلك الإسناد مزيلًا لذلك الشك ودافعًا لتلك الشبهة.
الفائدة السادسة: أنه تعالى صدر الجملة بحرف التأكيد الجاري محرى القسم، وكلام الصادق مصون عن الخلف، فكيف إذا بالغ في التأكيد.
الفائدة السابعة: قال: {أعطيناك} ولم يقل: سنعطيك لأن قوله: {أعطيناك} يدل على أن هذا الإعطاء كان حاصلًا في الماضي، وهذا فيه أنواع من الفوائد:
إحداها: أن من كان في الزمان الماضي أبدًا عزيزًا مرعي الجانب مقضي الحاجة أشرف ممن سيصير كذلك، ولهذا قال عليه السلام: «كنت نبيًا وآدم بين الماء والطين».
وثانيها: أنها إشارة إلى أن حكم الله بالإسعاد والإشقاء والإغناء والإفقار، ليس أمرا يحدث الآن، بل كان حاصلًا في الأزل.
وثالثها: كأنه يقول: إنا قد هيأنا أسباب سعادتك قبل دخولك في الوجود فكيف نهمل أمرك بعد وجودك واشتغالك بالعبودية! ورابعها: كأنه تعالى يقول: نحن ما اخترناك وما فضلناك، لأجل طاعتك، وإلا كان يجب أن لا نعطيك إلا بعد إقدامك على الطاعة، بل إنما اخترناك بمجرد الفضل والإحسان منا إليك من غير موجب، وهو إشارة إلى قوله عليه الصلاة والسلام: «قبل من قبل لا لعلة، ورد من رد لا لعلة» الفائدة الثامنة: قال: {أعطيناك} ولم يقل أعطينا الرسول أو النبي أو العالم أو المطيع، لأنه لو قال ذلك لأشعر أن تلك العطية وقعت معللة بذلك الوصف، فلما قال: {أعطيناك} علم أن تلك العطية غير معللة بعلة أصلًا بل هي محض الاختيار والمشيئة، كما قال: {نَحْنُ قَسَمْنَا} [الزخرف: 32] {الله يَصْطَفِى مِنَ الملائكة رُسُلًا وَمِنَ الناس} [الحج: 75]
الفائدة التاسعة: قال أولًا: {إِنَّا أعطيناك} ثم قال ثانيًا: {فَصَلّ لِرَبّكَ وانحر} وهذا يدل على أن إعطاؤه للتوفيق والإرشاد سابق على طاعاتنا، وكيف لا يكون كذلك وإعطاؤه إيانا صفته وطاعتنا له صفتنا، وصفة الخلق لا تكون مؤثرة في صفة الخالق إنما المؤثر هو صفة الخالق في صفة الخلق، ولهذا نقل عن الواسطي أنه قال: لا أعبد ربًا يرضيه طاعتي ويسخطه معصيتي.
ومعناه أن رضاه وسخطه قديمان وطاعتي ومعصيتي محدثتان والمحدث لا أثر له في قديم، بل رضاه عن العبد هو الذي حمله على طاعته فيما لا يزال، وكذا القول في السخط والمعصية.
الفائدة العاشرة: قال: {أعطيناك الكوثر} ولم يقل: آتيناك الكوثر، والسبب فيه أمران:
الأول: أن الإيتاء يحتمل أن يكون واجبًا وأن يكون تفضلًا، وأما الإعطاء فإنه بالتفضل أشبه فقوله: {إِنَّا أعطيناك الكوثر} يعني هذه الخيرات الكثيرة وهي الإسلام والقرآن والنبوة والذكر الجميل في الدنيا والآخرة، محض التفضل منا إليك وليس منه شيء على سبيل الاستحقاق والوجوب، وفيه بشارة من وجهين.
أحدهما: أن الكريم اذا شرع في التربية على سبيل التفضل، فالظاهر أنه لا يبطلها، بل كان كل يوم يزيد فيها.
الثاني: أن ما يكون سبب الاستحقاق، فإنه يتقدر بقدر الاستحقاق، وفعل العبد متناه، فيكون الاستحقاق الحاصل بسببه متناهيًا، أما التفضل فإنه نتيجة كرم الله غير متناه، فيكون تفضله أيضًا غير متناه، فلما دل قوله: {أعطيناك} على أنه تفضل لا استحقاق أشعر ذلك بالدوام والتزايد أبدًا.
فإن قيل: أليس قال: {آتيناك سَبْعًا مّنَ المثاني}؟.
قلنا: الجواب من وجهين:
الأول: أن الإعطاء يوجب التمليك، والملك سبب الاختصاص، والدليل عليه أنه لما قال سليمان: {هَبْ لِى مَلَكًا} فقال [ص: 35]: {هذا عَطَاؤُنَا فامنن أَوْ أَمْسِكْ} [ص: 39] ولهذا السبب من حمل الكوثر على الحوض قال: الأمة تكون أضيافًا له، أما الإيتاء فإنه لا يفيد الملك، فلهذا قال في القرآن: {ءاتيناك} فإنه لا يجوز للنبي أن يكتم شيئًا منه.
الثاني: أن الشركة في القرآن شركة في العلوم ولا عيب فيها، أما الشركة في النهر، فهي شركة في الأعيان وهي عيب.
الوجه.
الثاني: في بيان أن الإعطاء أليق بهذا المقام من الإيتاء، هو أن الإعطاء يستعمل في القليل والكثير، قال الله تعالى: {وأعطى قَلِيلًا وأكدى} [النجم: 34] أما الإيتاء، فلا يستعمل إلا في الشيء العظيم، قال الله تعالى: {وآتاه الله الملك} [البقرة: 251] {وَلَقَدْ ءاتَيْنَا دَاوُودُ مِنَّا فَضْلًا} [سبأ: 10] والأتي السيل المنصب، إذا ثبت هذا فقوله: {إِنَّا أعطيناك الكوثر} يفيد تعظيم حال محمد صلى الله عليه وسلم من وجوه:
أحدها: يعني هذا الحوض كالشيء القليل الحقير بالنسبة إلى ما هو مدخر لك من الدرجات العالية والمراتب الشريفة، فهو يتضمن البشارة بأشياء هي أعظم من هذا المذكور.
وثانيها: أن الكوثر إشارة إلى الماء، كأنه تعالى يقول: الماء في الدنيا دون الطعام، فإذا كان نعيم الماء كوثرًا، فكيف سائر النعيم.
وثالثها: أن نعيم الماء إعطاء ونعيم الجنة إيتاء ورابعها: كأنه تعالى يقول: هذا الذي أعطيتك، وإن كان كوثرًا لكنه في حقك إعطاء لا إيتاء لأنه دون حقك، وفي العادة أن المهدي إذا كان عظيمًا فالهدية وإن كانت عظيمة، إلا أنه يقال: إنها حقيرة أي هي حقيرة بالنسبة إلى عظمة المهدي له فكذا هاهنا وخامسها: أن نقول: إنما قال فيما أعطاه من الكوثر أعطيناك لأنه دنيا، والقرآن إيتاء لأنه دين وسادسها: كأنه يقول: جميع ما نلت مني عطية وإن كانت كوثرًا إلا أن الأعظم من ذلك الكوثر أن تبقى مظفرًا وخصمك أبتر، فإنا أعطيناك بالتقدمة هذا الكوثر، أما الذكر الباقي والظفر على العدو فلا يحسن إعطاؤه إلا بعد التقدمة بطاعة تحصل منك: {فَصَلّ لِرَبّكَ وانحر} أي فاعبد لي وسل الظفر بعد العبادة فإني أوجبت علي كرمي أن بعد كل فريضة دعوة مستجابة، كذا روى في الحديث المسند، فحينئذ أستجيب فيصير خصمك أبتر وهو الإيتاء، فهذا ما يخطر بالبال في تفسير قوله تعالى: {إِنَّا أعطيناك} أما الكوثر فهو في اللغة فوعل من الكثرة وهو المفرط في الكثرة.
قيل: لأعرابية رجع ابنها من السفر، بم آب ابنك؟ قالت: آب بكوثر، أي بالعدد الكثير، ويقال للرجل الكثير العطاء: كوثر، قال الكميت:
وأنت كثير يا ابن مروان طيب ** وكان أبوك ابن الفضائل كوثرًا

ويقال للغبار إذا سطع وكثر كوثر هذا معنى الكوثر في اللغة، واختلف المفسرون فيه على وجوه:
الأول: وهو المشهور والمستفيض عند السلف والخلف أنه نهر في الجنة، روى أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «رأيت نهرًا في الجنة حافتاه قباب اللؤلؤ المجوف فضربت بيدي إلى مجرى الماء فإذا أنا بمسك أذفر، فقلت: ما هذا؟ قيل: الكوثر الذي أعطاك الله» وفي رواية أنس: «أشد بياضًا من اللبن وأحلى من العسل، فيه طيور خضر لها أعناق كأعناق البخت من أكل من ذلك الطير وشرب من ذلك الماء فاز بالرضوان» ولعله إنما سمي ذلك النهر كوثرًا إما لأنه أكثر أنهار الجنة ماء وخيرًا أو لأنه انفجر منه أنهار الجنة، كما روي أنه ما في الجنة بستان إلا وفيه من الكوثر نهر جار، أو لكثر الذين يشربون منها، أو لكثرة ما فيها من المنافع على ما قال عليه السلام: «إنه نهر وعدنيه ربي فيه خير كثير» القول.
الثاني: أنه حوض والأخبار فيه مشهورة ووجه التوفيق بين هذا القول، والقول الأول أن يقال: لعل النهر ينصب في الحوض أو لعل الأنهار إنما تسيل من ذلك الحوض فيكون ذلك الحوض كالمنبع.
والقول الثالث: الكوثر أولاده.
قالوا: لأن هذه السورة إنما نزلت ردًا على من عابه عليه السلام بعدم الأولاد، فالمعنى أنه يعطيه نسلًا يبقون على مر الزمان، فانظر كم قتل من أهل البيت، ثم العالم ممتلئ منهم، ولم يبق من بني أمية في الدنيا أحد يعبأ به، ثم انظر كم كان فيهم من الأكابر من العلماء كالباقر والصادق والكاظم والرضا عليهم السلام والنفس الزكية وأمثالهم.
القول الرابع: الكوثر علماء أمته وهو لعمري الخير الكثير لأنهم كأنبياء بني إسرائيل، وهم يحبون ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم وينشرون آثار دينه وأعلام شرعه، ووجه التشبيه أن الأنبياء كانوا متفقين على أصول معرفة الله مختلفين في الشريعة رحمة على الخلق ليصل كل أحد إلى ما هو صلاحه، كذا علماء أمته متفقون بأسرهم على أصول شرعه، لكنهم مختلفون في فروع الشريعة رحمة على الخلق، ثم الفضيلة من وجهين.
أحدهما: أنه يروى أنه يجاء يوم القيامة بكل نبي ويتبعه أمته فربما يجيء الرسول ومعه الرجل والرجلان، ويجاء بكل عالم من علماء أمته ومعه الألوف الكثيرة فيجتمعون عند الرسول فربما يزيد عدد متبعي بعض العلماء على عدد متبعي ألف من الأنبياء.
الوجه.
الثاني: أنهم كانوا مصيبين لأتباعهم النصوص المأخوذة من الوحي، وعلماء هذه الأمة يكونون مصيبين مع كد الاستنباط والاجتهاد، أو على قول البعض: إن كان بعضهم مخطئًا لكن المخطئ يكون أيضًا مأجورًا القول الخامس: الكوثر هو النبوة، ولا شك أنها الخير الكثير لأنها المنزلة التي هي ثانية الربوبية ولهذا قال: {مَّنْ يُطِعِ الرسول فَقَدْ أَطَاعَ الله} [النساء: 8] وهو شطر الإيمان بل هي كالغصن في معرفة الله تعالى، لأن معرفة النبوة لابد وأن يتقدمها معرفة ذات الله وعلمه وقدرته وحكمته، ثم إذا حصلت معرفة النبوة فحينئذ يستفاد منها معرفة بقية الصفات كالسمع والبصر والصفات الخيرية والوجدانية على قول بعضهم، ثم لرسولنا الحظ الأوفر من هذه المنقبة، لأنه المذكور قبل سائر الأنبياء والمبعوث بعدهم، ثم هو مبعوث إلى الثقلين، وهو الذي يحشر قبل كل الأنبياء، ولا يجوز ورود الشرع على نسخه وفضائله أكثر من أن تعد وتحصى.
ولنذكر هاهنا قليلًا منها، فنقول: إن كتاب آدم عليه السلام كان كلمات على ما قال تعالى: {فَتَلَقَّى ءادَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ} [البقرة: 37] وكتاب إبراهيم أيضًا كان كلمات على ما قال: {وَإِذَ ابتلى إبراهيم رَبُّهُ بكلمات} [البقرة: 124] وكتاب موسى كان صحفًا، كما قال: {صُحُفِ إبراهيم وموسى} [الأعلى: 19] أما كتاب محمد عليه السلام، فإنه هو الكتاب المهيمن على الكل، قال: {وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ} [المائدة: 48] وأيضًا فإن آدم عليه السلام إنما تحدى بالأسماء المنثورة {فقال أَنبِئُونِى بِأَسْمَاء هَؤُلاء} [البقرة: 35] ومحمد عليه الصلاة والسلام إنما تحدى بالمنظوم: {قُل لَّئِنِ اجتمعت الإنس والجن} [الإسراء: 88] وأما نوح عليه السلام، فإن الله أكرمه بأن أمسك سفينته على الماء، وفعل في محمد صلى الله عليه وسلم ما هو أعظم منه.
روي أن النبي عليه الصلاة والسلام: «كان على شط ماء ومعه عكرمة بن أبي جهل، فقال: لئن كنت صادقًا فادع ذلك الحجر الذي هو في الجانب الآخر فليسبح ولا يغرق، فأشار الرسول إليه، فانقلع الحجر الذي أشار إليه من مكانه، وسبح حتى صار بين يدي الرسول عليه السلام وسلم عليه، وشهد له بالرسالة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم يكفيك هذا؟ قال: حتى يرجع إلى مكانه، فأمره النبي عليه الصلاة والسلام، فرجع إلى مكانه»، وأكرم إبراهيم فجعل النار عليه بردًا وسلامًا، وفعل في حق محمد أعظم من ذلك.
عن محمد بن حاطب قال: «كنت طفلًا فانصب القدر على من النار، فاحترق جلدي كله فحملتني أمي إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وقالت: هذا ابن حاطب احترق كما ترى فتفل رسول الله صلى الله عليه وسلم على جلدي ومسح بيده على المحترق منه، وقال: أذهب البأس رب الناس، فصرت صحيحًا لا بأس بي» وأكرم موسى ففلق له البحر في الأرض، وكرم محمدًا ففلق له القمر في السماء، ثم أنظر إلى فرق ما بين السماء والأرض، وفجر له الماء من الحجر، وفجر لمحمد أصابعه عيونًا، وأكرم موسى بأن ظلل عليه الغمام، وكذا أكرم محمدًا بذلك فكان الغمام يظلله، وأكرم موسى باليد البيضاء، وأكرم محمدًا بأعظم من ذلك وهو القرآن العظيم، الذي وصل نوره إلى الشرق والغرب، وقلب الله عصا موسى ثعبانًا، ولما أراد أبو جهل أن يرميه بالحجر رأى على كتفيه ثعبانين، فانصرف مرعوبًا، وسبحت الجبال مع داود وسبحت الأحجار في يده ويد أصحابه، وكان داود إذا مسك الحديد لان، وكان هو لما مسح الشاة الجرباء درت، وأكرم داود بالطير المحشورة ومحمدًا بالبراق، وأكرم عيسى عليه السلام بإحياء الموتى، وأكرمه بجنس ذلك حين أضافه اليهود بالشاة المسمومة، فلما وضع اللقمة في فمه أخبرته، وأبرأ الأكمه والأبرص، روي أن امرأة معاذ بن عفراء أتته وكانت برصاء، وشكت ذلك إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فمسح عليها رسول الله بغصن فأذهب الله البرص، وحين سقطت حدقة الرجل يوم أحد فرفعها وجاء بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فردها إلى مكانها، وكان عيسى يعرف ما يخفيه الناس في بيوتهم، والرسول عرف ما أخفاه عمه مع أم الفضل، فأخبره فأسلم العباس لذلك، وأما سليمان فإن الله تعالى رد له الشمس مرة، وفعل ذلك أيضًا للرسول حين نام ورأسه في حجر على فانتبه وقد غربت الشمس، فردها حتى صلى، وردها مرة أخرى لعلي فصلى العصر في وقته، وعلم سليمان منطق الطير، وفعل ذلك في حق محمد،